جريدة إلكترونية متجددة على مدار الساعة : الدقة في الخبر

تكلفة العودة إلى الحجر الصحي الكلي ستكون باهضة على المغرب .

0

الأحداث 24 – عادل بلحبيب

كان للحجر الصحي دور كبير في التصدي للعديد من الأمراض التي حصدت أرواح الملايين على مر التاريخ، وفي ظل عدم توافر علاج أو لقاح مؤكد لجائحة كوفيد-19، اتجهت حكومات بعض الدول إلى فرض الإجراءات التقييدية، مثل العزل والتباعد الاجتماعي والحجر الصحي، للحفاظ على الصحة العامة، بالإضافة إلى تدابير وقائية أخرى، كغلق المدارس والمراكز التجارية والمساجد ، ووضع قيود على السفر، وتعليق الكثير من الأنشطة. في هذا الإطار، نشرت “مكتبة كوكرين” مراجعة منهحية جديدة لعدد من الدراسات التي بحثت تأثير الحجر الصحي على انتشار فيروس كورونا الجديد، في محاولة للتوصل إلى مدى فاعلية تطبيق إجراءات الحجر الصحي وحدها في التصدي للجائحة، وما إذا كان اتخاذ تدابير وقائية أخرى إلى جانبها يمكن أن يعطي نتائج أفضل؟
أظهرت هذه المراجعة أن نظم المحاكاة الخاصة بسيناريوهات الحجر الصحي كشفت عن أنه يؤدي دورا حيويا في التحكم في انتشار مرض كوفيد- 19، مقارنة بأي تدابير وقائية أخرى تطبق من دونه، إذ أدى إلى انخفاض معدل العدوى بنسبة تتراوح بين 44% و81%، ومعدل الوفيات بنسبة تتراوح بين 31% و63%. كما كان للجمع بين إجراءات الحجر الصحي والتدابير الوقائية الأخرى -مثل غلق المدارس ومنع السفر والالتزام بالتباعد الاجتماعي- تأثير أكبر على الحد من أعداد الحالات التي تتطلب رعاية حرجة وكذلك أعداد الوفيات، مقارنة بتطبيق إجراءات الحجر الصحي وحدها.
يُذكر أن “الحجر الصحي” هو عزل الأشخاص المخالطين لحالات مؤكدة أو لحالات يُحتمل إصابتها بالمرض لفترة زمنية تحدد وفقا لفترة حضانة المرض -الفترة ما بين حدوث العدوى وظهور الأعراض- وقد قُدرت بـ14 يوما في حالة كوفيد-19، أما “العزل” فيُعرف بأنه حجز المرضى الذين ظهرت عليهم الأعراض بالفعل بعيدًا عن الأشخاص الأصحاء. ويوصف “التباعد الاجتماعي” بأنه الحفاظ على مسافة -متر واحد على الأقل- بين الأفراد الأصحاء.
ومع استمرار إرتفاع عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا و إرتفاع في عدد الحالات الحرجة والوفيات وتفشي بؤر جديدة لفيروس كورونا، الشئ الذي أدى إلى إرتفاع الحالات المسجلة والمعلن عنها يوميا من طرف مصالح وزارة الصحة و إرتفاع غير مسبوق لحالات الوفيات ،بعد الرفع التدريحي للحجر الصحي والذي واكبه مع الأسف ، تراخي في الالتزام بإجراءات الوقاية والتي أرجعتها وزارة الصحة، إلى بعض السلوكيات غير المسؤولة وغير الواعية بخطورة عدم الالتزام بالإجراءات الصحية الوقائية لدى بعض الأشخاص و بعض المؤسسات و الشركات.
وأمام هذه المعطيات و التحليلات الصادرة عن وزارة الصحة، يروج حديث بقوة داخل الشارع المغربي منذ مدة، حول عودة الحجر الصحي بالمغرب بشكل كلي ، حيث ذكرت مصادر إعلامية، نقلا عن مصادر من داخل الحكومة، أنه لم تستبعد إمكانية العودة إلى فرض تدابير الحجر الصحي بشكل جزئي أو كلي ، إذا ما استمر الوضع الوبائي على ما هو عليه الآن، خاصة وأن عددا من الباحثين الدوليين في علم الفيروسات حذروا من موجة خريفية من الفيروس قد تكون أشد فتكا.
سيناريو العودة الى الحجر الصحي الكامل او الجزئي ربما يكون مجديا في الحد من انتشار الفيروس، لكنه ذو تكلفة باهظة جدا على البلاد، سواء التكلفة الاقتصادية أو التكلفة الاجتماعية ، وهو ما يطرح السؤال الأهم: هل مكافحة كورونا تستحق أن ندفع كل هذه التكلفة؟
الرجوع الى الحظر الشامل او الجزئي سيؤدي الى مشاكل اقتصادية أعمق من تلك التي شهدناها خلال الشهور الاولى من الحجر، وعندها سوف ترتفع نسب البطالة، ويتعمق مستوى الفقر وتنخفض المداخيل المالية، وتنخفض القدرة الشرائية للمواطنين ، وهذا كله سوف يؤدي على الفور الى تدني مستوى الخدمات الطبية والرعاية الصحية، كما ستؤدي هذه الظروف إلى مزيد من المشاكل الاجتماعية، و الأكيد أن ذلك سيكون على حساب أعباء جديدة تفقر الطبقة الوسطى و تفلس مؤسساتنا الإقتصادية العامة و الخاصة وتزيد من بؤس الفقراء وتلقي بعشرات الآلاف من العاملين و الموظفين وغيرهم في الشوارع وكل هذا سيكون سببا في إنتشار الفوضى العارمة وايضا بتمرد محتوم على إحترام قرار الحجر وبالتالي إنتشار العدوى أكثر فأكثر.
وهذا كله سيعني أننا قد نتجنب كورونا، لكننا انزلقنا الى مشاكل أكبر وأعمق وأطول أمدا من الفيروس الذي قد يستقر في جسم المريض 14 يوما ثم يرحل.
لا نعلم كم عدد الذين فقدوا وظائفهم في المغرب ؟ ولا كم أصبحت نسبة الفقر؟ ولا حجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد؟ لكننا نعرف أن نسبة البطالة في الولايات المتحدة ارتفعت من 3% في فبراي الماضي إلى 15% في مايو الحالي، وأن نحو 40 مليون أمريكي أصبحوا يعيشون على الإعانات، على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تتعطل فيها الحياة بشكل كلي، ولم تفرض حظرا للتجوال، ولم تغلق المطارات ولا الحدود.. فما هو الحال اليوم إذن في بلد مثل المغرب؟
أعتقد أن مشوار القضاء على الفيروس التاجي لازال طويلا، يلزمنا الكثير من اليقظة والتضامن و الالتزام كل من موقعه.
ويلزمنا الكثير من الوقت ايضا.
وقد قلتها في مقال سابق نهاية الحجر الصحي لا يعني نهاية فيروس كورونا.
حفظ الله بلدنا و جعله آمنا مطمئنا .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!