إلى صديقي الفنان عبد الحق الزروالي
بعد التحية والسلام،
لا أعرف كيف أبدأ رسالتي هاته ،مند زمن بعيد لم أكتب رسالة،حتى أنني لم أتذكر التعابير والطريقة التي يمكن أن تكتب بها الرسائل،الهواتف الذكية دمرت لغتنا وأحساسينا،لم نعد نكتب اللغة التي نحس،ولا نعبرعما نفكرفيه، هي (الهواتف ) تقوم مقامنا بكل شيء ، بالرد إن كنا مشغولين ، بالكذب،علمتنا الكذب، بتهاني الأعياد والمناسبات،نرسلها،نرسل المئات من الرسائل،رسائل التهاني والحب والود،دون أن نعرف لمن أرسلت . تطبيقات الهواتف تقوم بكل شيء، تعبر عما نحس به،. أصبح تعابيرنا مكتراة.
أخي عبد الحق ، لقد أنقذت نفسك منها، من تطبيقات النفاق والكذب والعيش المكترى، والحياة المفترضة.
تعيش عزلة الأوراق والنصوص القديمة.
عصرك،زمنك الحالي ،لم يتلوث بعد لا بالفيس، ولا بالواتساب،ولا بالأنستراغرام.
أغبطك
أنت بقيت بعيدا عنها،وعن أضراررها
فحافظ على طهرانيتك وعلى نقائك
كيف تواجه هذا الزمن؟وكيف تتعايش مع هذه الأخبار؟
مند مدة اتصلت بك وكنت كعادتك تكسر حوارنا بنكاتك وقفشاتك ،كنت تضحك من كل شيء.أتمنى دائما أن تحافظ على قوة سخريتك، صلابتك، ضحكك،فالضحك ترياق ضد الألم.
أنت تعرف بأن المسرح عمل جماعي،ورغم ذلك سميته مسرحا فرديا،لانه في قرارة كل واحد فينا،مسرح مغلق،خاص،وهذا مانعيشه الآن في عزلتنا،مسارح فردية معزولة في عالم أصبح فيه التجمع خطرا على الإنسانية.
كنت تعرف أن طريق المسرح صعب وجد صعب ورغم ذلك قررت السفر فيه وإليه.
كنت رحالة لايمل من السفر
ومازالت تسافر وتحلم، وستبقى مسافرا
كان مقاس سيارتك على مقاس مسرحياتك، فعندما كانت الإركاط رفيقتك،كنت تسافرا وحيدا بمسرحياتك وعكازك وعندما غيرتها بواحدة أخرى تسع عددا أكثرا، أضفت ممثلين آخرين.
هل مازلت تطل من شرفتك وتصدح بصوتك مغنيا راحلة؟
فلتغني صديقي راحلة التي تحب حتى نلتقي عما قريب في حديقة الحياة تسع كؤوسا للجميع.
أسألك عن الرباط ، هل مازالت في مكانها،هل مازال البحر قريبا من سلا والرباط.
ومقهى باليما؟أعرف كانت مغلقة مند مدة. وقبالتها بناية كبيرة،قبة،أظنها الآن مغلقة ومهجورة هل مازالت صالحة لشيء؟
هل مازالت الشوارع في مكانها
والأشجار،تلك الأشجار التي تحملت شقاوة الأطفال، أما زال لها أغصان.
أتخيلك الآن تطل من شرفتك وتنادي :
(اشتدي أزمة تنفرجي
اشتدي أزمة وانفجري.
أنا الآن بين الانفراج والانفجار
فأيهما أتبع؟أيهما اختار؟
هكذا …ركبت زورق الحرف كي أفرح
ابتلعتني الأسماء….الأشياء ولم أبرح
اختلطت علي المعاني..الألوان ..فلم أعد ارى..
الإشارات..الحروف.. وهلم جرى.
قال لي ..هي أشياء ..لاتشترى
فلمن أوجه السؤال ؟أفتوني في أمري)
أراك تعود إلى شخصياتك القديمة والمتخيلة، تعود إلى رحلاتك وأسفارك،كتاباتك وأشعارك،لا للحنين ولكن للحلم،فأنت حالم كبير، تعود إليها لتصنع بها نشيدا جديدا تطل به من شرفتك على الآخرين.
صديقي أعرف أنك لاتتوفر على صفحة في الفيس
أعرف أنك لن تصلك رسالتي هاته عبرالفيس لأنك لاتستعمل ماجناه علينا ذلك المراهق(مارك زوكيربيرغ). ولكن ساعيد كتابتها بالخط العربي وبحبر المداد الجميل وسأضعها في صندوق البريد(إن كان هناك بريد ).المهم سأجد الطريقة المناسبة لتصل إليك.
مند مدة شهر ونصف تعودت أن أكتب يوميا(المسرح في حياتي- نصوص على هامش التجربة )،نصوصا حول المسرح والكتابة والإبداع ، وأن أترجم أخرى من نصوص أحبها،وهكذا كتبت عن رحلات مسرحية، عن تجارب فنية ، يوجينيو باربا،غروطفسكي، ،بريشت،جوزيف نادج وآخرين ،كما تحدث عن الطيب الصديقي، الخطيبي، كيليطو،بهجاجي، الكنفاوي، القاسمي. وفي عزلتي هاته كنت دائما أفكر فيك، وفي الكتابة عنك،ليس من منطلق نظري، فالكتابة النظرية تنطلق لدي بسهولة وخصوصا وأنا أعرف تجربتك منذ عكاز الطريق، ولكن من مدخل آخر، المدخل الحقيقي للحياة وهوالوجه الإنساني.
لم أجد سوى هاته الرسالة التي تدفقت كما لو أنها كانت مكتوبة ومحفوظة في الدهن لسنوات.
صديقي، هل مازلت تطل من شرفتك لتقول للناس : افتحوا النوافذ
افتحوا النوافذ
لتعرفوا ..(كم قمت..وكم قاومت
قاومت المرض بالحب فشفيت
قاومت الفقر بالحب فاغتنيت
قاومت البرد بالحب فاستدفأت
قاومت البعد بالحب فاقتربت
قاومت الانحدار بالحب فسموت)
هل مازلت تتصل بحسن؟ لتشتكي له وضعنا،وتدمرنا،تردي مآلنا وتكاثف خيباتنا.
هل مازلت قادرا على الكتابة ؟ في زمن أصبحت فيه الرداءة سيدة المجتمع المحترمة.
هل تحن إلى خشبة المسرح ؟ تلك الخشبة التي دنسها التافهون.
صديقي،في انتظار خروجنا القريب،استجمع قوتك،لتعود إلى حلبتك،ساحة شرفناجميعا
بدهشة أطفال جدد قدموا إلى الحياة ،سنعود لنصنع حياة نكون جديرين بها.
وفي انتظار ذلك،لاتنسى أن تطل من شرفتك لتقول لهم: افتحوا النوافذ
وفي انتظار لقائنا القريب تقبل محبتي وتقديري .
بوسلهام الضعيف
نصوص على هامش التجربة: افتحوا النوافذ
القادم بوست