الأحداث 24 – عادل بلحبيب
لم يعد مفاجئا أن تقوم صباحا فتفتح تلفازك أو موقعك الإجتماعي لتسمع بنادرة جديدة من المضحكات المبكيات تهم تلوث المشهد المجتمعي وفعالياته , وتنذر بانهيار منظومة الأخلاق والقيم ودخولنا في مشوار البذائة والضحالة وقلة الحياء ،آخرها صور وفيديوهات توثق حادثة سرقة أغنام من سوق للمواشي بمدينة الدار البيضاء. حادثة سطو على سوق المواشي من أجل إحياء شعيرة إسلامية الهدف منها التقرب لله تطرح العديد من الاسئلة ؟؟؟؟
مشهد بلدنا لم يعد سارا، وهو مشهد يجرى على الملأ، فوسائل الاتصال وفرت ساحة لا تزيد عن مستنقع تفضح كل شئ .
درج القول منذ فترة على أننا نعيش في زمن فاسد، نشهد انهيار القيم العليا للمجتمع, الأخلاق والدين والأسرة. إنّ ما حاولت الإنسانية الحفاظ عليه، وعدم التفريط فيه، بدأ الناس ينفضون عنه، ويستعجلون الخلاص منه. انعكس هذا الانهيار على الفضاء العام، وانتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى باتت السخرية منها لازمة عادية، يعتد بها، ومادة للظهور، باعتبارها من قيم الحداثة وما بعد الحداثة.
لم تدافع الثقافة عن هذه القيم، بل وقفت منها موقف الشامت، وتحدّث المثقفون عن قيم مغايرة أُخرى، غامضة ورافضة، وكأن الوطن أو الأخلاق التي يعمل على نبذها، كانت ملكا للحكومات والسياسيين والأحزاب ووسائل الإعلام فقط.
بينما كان على الثقافة أن تدرك بأنه إذا ما كان هناك انهيار، فالمثقفون جزء منه، وما الفساد الحاصل، إلّا بالشراكة معهم، وما تلك الثقافة الملفقة إلّا غطاء لدعاوى سياسات فاسدة، استغلت تلك القيم في ترسيخ أكاذيب كانت أقنعة اختبأوا وراءها، وإذا كانت قد استُثمرت لردح مديد من الزمن، وما زالت، فمن فرط تعدد الأقنعة، قومية ووطنية وأيديولوجية واشتراكية ونضالية ودينية ويسارية وعشائرية وطائفية، أضف الشعارات المتقنعة بالمقاومة والممانعة والصمود والتصدي.
لا يشكُّ ملاحظ؛ مهتم أو غير مهتم، بالحقل التربوي وحركية المجتمع، أنّ جدار الأخلاق بدأ ينشق وينهار، ويتداعى على رؤوس المفكرين والمهتمين والمصلحين ممن لهم غيرة على المجتمع، وليس الحدث بجديد، بل قديم، وبدأ يتسارع متهاويا في الآونة الأخيرة؛ وذلك لأنّ ثمار المجهودات الإفسادية والتدميرية والتخريبية قد بدأت تنضج وتؤتي أكلها الخبيث،وربما سيؤول وضع المجتمع لما آلت إليه الأوضاع في الدول التي سبقتنا في تجربة الانهيار والتآكل الأخلاقي والأسري.
شهد المجتمع في عصرنا الحالي انحدارا أخلاقيا و قيميا كبيرا، أصبح الإنسان سجين غرائزه باحثا عن اللذة والمتعة بأي وسيلة، وسقوط نحو الهاوية بدون توقف أو ردع. أصبحت النزعة العدوانية سائدة كخطاب داخل المجتمع، خطاب العنف والدم رائج بكثرة بسبب أو بدونه، تعبير عن رفض الواقع المعيشي أو الرأي المخالف بسلاح العنف اللفظي والمادي. أصبحنا نشاهد جرائم بشعة في وضح النهار وأعقاب الليل يليه اعتداءات سافرة على المنشآت العامة والخاصة.
العنف كخطاب سائد لم يقتصر على عموم المواطنين، فقد انتقل إلى الطبقة السياسية والنخبة المثقفة، أصبحت المنابر الإعلامية ساحة لتبادل الشتائم وهتك الأعراض وحتى التهديد بالاستئصال بعيدا عن التحاور المعقول، والبحث عن مناقشة البرامج وإيجاد الحلول للمشاكل السياسية والاقتصادية.
للأسف المجتمع أصبح مسرح كبير لكل المظاهر السلبية الضاربة لكل القيم النبيلة عرض الحائط ، المصلحة الذاتية قبل تماسك المجموعة. البحث عن أسهل الطرق للنجاح بدون تعب أو اجتهاد، سيطرة الغزيرة على شخصية الفرد، وطمس لمعالم العقلانية في سلوكه الحياتي اليومي.
المصيبة الأكبر أن المدرسة الأولى والحاضن الأول للفرد عرفت تحطيم و تفكيك لها ألا وهي العائلة، فقد أصبحت في وقتنا الحالي فاقدة لكل أهلية ورمزية. صورة سيئة الإخراج للأسرة داخل المجتمع، تفكك مادي ومعنوي ساهمت فيه بصفة كبيرة التكنولوجيات الحديثة. كما شهدنا تحطم لصورة الأب التاريخية، فلم يعد الأب الشخص القوي والملهم لصغاره، بل قل احترامهم له وأصبح الأبناء خارج السيطرة الأبوية ليكون الشارع هو الحاضن والمربي وتكون دروس الرذيلة، الغش والانتهازية أولى الدروس التي يتلقاها الفرد لنحصل على نتيجة وخيمة وكارثية ويتحول قانون الغابة هو السائد، البقاء للأقوى وأي قوة، قوة تحطيم الأفضل، قوة تمجيد السارق والفاسد على حساب المتفوق والمثقف الذي أصبح بلا قيمة.إنما الأمم أخلاق، إن ذهبت ذهبوا، يوم بعد يوم يزداد الوضع قتامة وبشاعة، وأصبحنا نعرف انقلاب قيمي وأخلاقي ساهم فيه تدهور التعليم مساهمة كبيرة، بالإضافة لابتعاد الفرد عن المصادر التي تدعوه إلى الاستقامة وتحدد له سبل الرقي الفكري والأخلاقي. لكن للأسف كان للعولمة دور بارز في تحطيم الدين والفكر الفلسفي لصالح مناهج جديدة أصبحت تخاطب غريزة الفرد.
