الأحداث 24 – بقلم محمد عبيد
تحيلنا وقائع الفعل الإجرامي المسجل مع حلول عيد الأضحى إلى استذكار قولة المرحوم الدكتور مهدي منجرة: “الأمم التي تريد بناء مستقبَلاتها بناء مرصوصا، تهتم ببناء الإنسان بناء مخصوصا”.
هي خاصية امتازت بها جميع محاضرات المرحوم الدكتور مهدي منجرة حيث كانت دوما محورا اساسيا يركز على صناعة الإنسان….
ويبقى أبرز اقواله، حين تحدث عن الإجرام وصنف أنواعه :”إجرام خلقي، إجرام اقتصادي، إجرام مالي، إجرام شرعي، إجرام مخالفة القوانين، وهناك إجرام إنساني وثقافي وحضاري”.
هنا يتبين لنا بأن الحكومات المتعاقبة والأحزاب السياسية لاتهتم لتكوين الإنسان المغربي من بدايته الأولى إلى أن يصبح راشدا عاقلا، بقدر ما يهتمون للكراسي والمناصب.
استفحلت طباع الأنانية المفرطة والتي ترسخت من طرف الحكومات المتعاقبة والأحزاب السياسية أيضا لذلك كونا شعبا أنانيا متشبعا بالأنا ومن بعدي الطوفان.
عندما تنهار القيم الإنسانية وينعدم الضمير والأخلاق فهاته تكون النتيجة، وهذا ماهو إلا تحصيل حاصل! فماذا ننتظر من كائنات لاتمت للإنسان وللبشر بصلة وتعيش كالسرطان الخبيث داخل مجتمع ليست له مناعة فكرية وأخلاقية وتربوية، فيولد لدينا جيلا معطوبا يتبنى الجهل المقدس.
المجتمع تم تخريبه بفعل فاعل، نحن نجني حاليا ثمن ما بنيناه في السنوات السابقة. سياسات الحكومات السابقة جنت على هذا الشعب وخلفت وراءها هذا الإرث الثقيل الذي يصعب التخلص منه.
إنسقنا وراء الشعارات المزيفة ونسينا الأصل نحتاج حاليا لعدة سنوات أخرى من أجل إصلاح ما أفسدناه بسياساتنا العمياء.
أشخاص كانوا يخططون لهذا الشعب من مكاتبهم المكيفة ولم ينزلوا يوما من برجهم العالي ليطلعوا على الواقع الحقيقي والمر الذي نعيش فيه.
ذهبت الأخلاق وقيم المواطنة أدراج الرياح وأصبحت المصالح الشخصية هي العنوان البارز للمرحلة الكل يقول “أنا و من بعدي الطوفان”.
كنا نطمح أن يساهم هذا الوباء في إخراجنا من هذه الورطة بعد ما رأيناه من صور جميلة من التضامن طيلة مدة الحجر الصحي. لكن للأسف طلعت علينا هذه الصور الأخيرة لتعكر صفو هذه الابتسامة. وتأكد بالملموس بأننا بحاجة إلى مجهودات جبارة من أجل الإصلاح، فالهدم سهل لكن البناء يحتاج لسواعد قوية ولمزيد من الوقت….
فالكل يطالب بمحاربة الفساد…الكل يقول يجب خلع الفساد… الفساد ارتبط أصلا من مشكلة اجتماعية تتجلى في عمد الغش… إذ قد تجد طبيبا يحارب الفساد، وفي نفس الوقت يزرق وصفه بأدوية ممنوعة… وصيدلي يحارب الفساد، وفي نفس الوقت يصرف أدوية منتهية الصلاحية… والتاجر مطفف…
يبدو أن الفساد منظومة بقاعدة متينة… ومصيبته ليست في كبار الفاسدين… إنما هي في صغارهم، علاماته ومؤشراته هي في الموظف المترشي، والإداري المتزلف والراشي والصحفي المأمور..
والمشكلة بأن الجميع يريد محاربة الفساد!؟… والكل منقوع بالفساد من رأسه حتى أخمص قدميه.
هنا ساقف على تعليق أحد الأساتذة الفاعلين بمدينة آزرو نجيب النجباء في تدخلاته وتعاليقه في الفضاء الازرق، وذلك بتشريحه لواقعة الحي الحسني حيث انطلق في تفسيره للحالة بالتذكير ماعرفته ردود أفعال وفاة جورج فلويد انزلاقات شعبية في الكثير من المدن الامريكية حيث السطو على الممتلكات والمحلات التجارية، من موقع التعاطف مع جورج فلويد وعدالة قضايا السود. الكل كان يفسر سلوك النهب برد فعل موضوعي لعنف البوليس والسلطة… المنظور الأخلاقي والديني للنازلة أكيد سيسقطنا في أحكام تتأرجح بين الهمجية والحرام… أحكام لا تفيد في شيء بقدر ماتهمنا الظاهرة في حد ذاتها… مداخل فهمها في أفق تجاوزها… واسترسل الاستاذ بالقول:هل ظاهرة / النهب/ لديها ها تفسير واحد وكما يردده المغاربة بالقول:’قلة الترابي وضعف الوازع الديني؟”.
الظاهرة في العرف السسيولوجي مركبة ومعقدة تتجاوز الانطباع الاخلاقي والخلفية التربوية والدينية لتفسح المجال لمحددات أخرى أكثر أهمية في إنتاجها، إنها ثقافة الرأسمال المتوحش وآثارها السسيوثقافية… تعميق قانون الغاب وموت القيم وترسيخ ثقافة النهب والبقاء للأقوى وتجريد الإنسان من البعد الإنساني من خلال الانتصار لفكرة “أنا ومن بعدي الطوفان!”. والنجاح الفردي بكل الوسائل ولو على حساب الضمير الجمعي…. بالإضافة إلى تجلي وانصهار هذه الثقافة في المنظومة التربوية وحمولتها القيمية… النهب في اليومي المغربي سلوك معتاد يمارس كفعل جرمي مباشر او بشكل مقنع عبر السياسة او نشاط اقتصادي معين.
استاء الكثيرون من نازلة الدار البيضاء، لكن حدود الاستياء مقرون بالشعيرة وليس بطبيعة فعل النهب في حد ذاته هذا يعني ان المجتمع طبع مع هذا السلوك لكنه لا يقبله في الحقل الديني كحقل طهراني.
“واش غادي إعيدو بالحرام؟؟” هذا السؤال لا يسائل الفعل /النهب/ كاعتداء على حق وملكية الغير وإنما يسائل الفعل في علاقته بالديني_ وكأن النهب يجوز خارج السياق الديني مقبول!؟
(انتهى التعليق).
الواضح أكثر ان هناك من يصدر إساءات بالغة للوطن… ومن يقول أعطونا الدليل سيكون متهما بالخيانة العظمى… وسيجاب بالرجم والسب والشتم.
السرقة أو الفساد كلاهما سيان… وهرم…
خلاصة الأمر لا يمكن ان نهدم هذا الهرم بضرب الرأس مثلا… لأن الهرم سيبقى ثابتا ولكنه مشوها بعض الشيء لكن إن أردنا هدمه فما علينا إلا ضرب القاعدة وبعنف… ووقتها سيهتز الهرم بأكمله… ومن هنا علينا أن نبدأ.
بصراحة لم يعد شيء في المغرب عموما أو من مؤسسة إلا اتهمت بالفساد… إن خصخصت، قالوا فسادا… إن بقيت مع الدولة، قالوا فساد… إن جاء وزير، قالوا فساد… ان طار وزير، قالوا فساد… إن عين موظف، قالوا فساد… وإن تقاعد موظف، قالوا فسادا… وكأنهم هم الأشراف على وجه هذه الأرض! وما دونهم فساد في فساد..
أفلا نعود قليلا لما كانوا يفعلون.
لو أردنا الحديث أكثر عن الفساد لوجدنا أن الشعب هو مصدر الفساد… فساد الفزعات والمناصب التي تليق وفساد الثقافات، والأخطر هو الفساد الفكري…
أقسم بالله، الفساد يكاد يدخل كل بيت والكل يحرم على غيره ويحلل له… بينما الفساد واحد.
بات الحديث أشبه بالمهزلة… ومن الواضح جدا أن هناك من يريد أن يعرقل أية مسيرة إصلاح بالتشكيك.
همسة: من لم يدخل الوطن لا يتكلم بالوطنية… ومن لم يذق الفقر لا يتكلم عن الفقراء… ومن نشأ بين أحضان الفساد عليه ان لا يتكلم بمحاربة الفساد..
ولذا يمكن القول أن ما يحدث من حملات شعبية على مكافحة الفساد وحديث عن الفساد ما هو إلا عبارة عن مسخرة مضحكة جدا… بل هي مضحكة حد الغثيان لأن من يصدرها مضحك أكثر فهو إما مارق أو هارب من البلد… أو عميل خارج البلد… وأما نحن فما علينا إلا الترويج والنسخ واللصق.