الأحداث 24 – محمد عبيد
لم تستغفل قضايا كورونا انشغالات السلطات الإقليمية والمحلية بإقليم إفران، بل إن هذه السلطات قد اهتمت بالجانب الطبيعي والبيئي خاصة ما يتعلق بالموارد المائية امام النقص الملحوظ في عدد من النقط المائية بعدد من النقط بالاقليم، مما اعتبره المتتبعون والمهتمون رغم محدوديتها بالنقطة الحسنة الواجب تقديرها لعمل هذه السلطات.
فلقد شوهدت خلال الأيام الأخيرة مع بداية شهر غشت الجاري(2020)، حافلات نقل صهريجية لحمل المياه إلى كل من منطقة عين اللوح حيث آبار الإمداد لبرج المياه للمكتب الوطني للماء والكهرباء، كون هذه القلعة جفت ولم تعد تضمن توزيع مياه الشرب من قبل هذا الموزع إلا بفضل تدخل عمالة إقليم إفران التي حشدت حوالي ثلاث ناقلات لتزويد القلعة من صنابير الإطفاء المقامة في مدينة إفران لتجاوز المعاناة المسجلة بالإقليم مع مياه الشرب والري، حيث سجل نقص غير مسبوق في المياه والذي تم الشعور به في أكثر من منطقة، ولا سيما في هذه الصهاريج نفسها من إقليم إفران التي تزود مياه الشرب من إفران إلى الخزانات التي أقامتها العمالة في دوار منطقة أدروش (منطقة عين اللوح وسيدي مخفي).
كما تم كذلك تقديم المساعدة إلى المجلس الجماعي لمدينة إفران لضمان ري المساحات الخضراء المتنوعة والمتنزهات والحدائق بالمدينة باستخدام مياه نبع زروقة (الأول) الواقع على بعد كيلومترين من مركز المدينة المستخدم بشكل خاص من قبل المكتب الوطني للماء والكهرباء لتزويد مدينة إفران بمياه الشرب.
وضمن هذا الإطار، ذاته تعبأت السلطات العمومية لضمان مياه الشرب للمواطنين في إقليم إفران، إذ استخدمت المندوبية الاقليمية للإنعاش الوطني العديد من الناقلات المستأجرة لضمان توزيع مياه الشرب لصالح المواطنين القاطنين في الدواوير غير الساحلية، ولا سيما في منطقة البحيرات (حشلاف، عوا، إفراح)، مشليفن، أدرار وغيرها…
وتم نقل المياه من بئر بوادي تيزگيت الواقع في ترميلات، على بعد حوالي 08 كم من إفران (العيون المائية القديمة لمياه الشرب لإفران)، إذ حشدت السلطة المحلية في جماعة تيزگيت شاحنة صهريجية لتأمين توزيع مياه الشرب لصالح للسكان المحليين بمختلف الدواورير (عين حناش وسيدي إبراهيم، وأوتگي، وسيدي عبد الرحمن) من بين نقط تسكانية أخرى.
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن حاليا سجل نقص في المياه الجوفية بإقليم إفران مما تسبب الكثير من الضرر، وزاد من تواجد عدة نقط مائية على شفا أزمة ووضع السد في أدنى مستوياته.
وهنا وجب التذكير بأن من أهم أسباب التصحر الذي يعيش عليه المجال البيئي باقليم افران عموما هو تناقص موارد الماء بفعل التغيرات المناخية بوتيرة 7% والاستخراج العشوائي لهذه المادة الحيوية اللازمة لتطور الغطاء النباتي وكذا الرعي الجائر وحيث نوع التربة الناجم عن التقنيات غير الملائمة لتربة المنحدرات وازدياد ملحية التربة واستنزاف الغابات.
كل هذه الأسباب زادت من وتيرة التصحر وأغلبها من أراضي الغابات دون مراعاة تحديد كميات المياه الجوفية ونوعها في المنطقة وفي غياب الاعتماد على التكوينات الجيولوجية ونوعية الصخور الموجودة فيها.
يحصل هذا، في زمن كورونا، حيث عدسات كاميرات الإعلام كلها موجهة نحو إحصاء عدد الضحايا وعدد المصابين بالفيروس التاجي، وكون انه لم يبق أحد مكترثا لا بتغير المناخ ولا بانكماش ثقب الغابة بالأطلس المتوسط عموما ولا بظاهرة الجفاف التي تضرب بأطنابها جل الأرجاء.
وهنا فيمكن القول، إذا كان الكثيرون يتحدثون عن شهرة إفران وما يؤثثه الحزام الأخضر المحيط بهذه السيول المتدفقة بانسياب من المجاري المائية للوديان والعيون، لجمالية طبيعية وجيولوجية، والتي يصفها الإعلاميون والمتتبعون ب”جوهرة الأطلس المتوسط”، فإن هذا لا يمنع من الالتفات إلى الواقع الجيولوجي بالمنطقة، حيث كانت المياه متدفقة بالوديان والشلالات يسمع خريرها على بعد من عدة كيلومترات، ظلت منبع وحوض المياه الجوفية.. فإن واقع الحال يدفع لطرح تساؤلات عدة من بينها:
فهل فعلا مازالت تحتفظ لنفس فضاءات طبيعية وغابات إفران مجاري المياه والشلالات بهذه الامتيازات الطبيعة؟ وهل فعلا ينعم أهلها خصوصا في الجبل بما يمكن أن توفره لهم هذه الامتيازات الطبيعية من عيش واكتفاء ذاتي على الأقل من خلال توفيرها الماء والكهرباء؟
بلى، فواقع الحال ينفي جملة وتفصيلا هذه الوظائف المنتظرة من انتشار العيون والمجاري والشلالات بالمنطقة حين نعلم أنها خلال المدة الأخيرة وبالخصوص هذا الصيف أضحت مؤشرات العطش مصدر صيحات عدد من النقط بالإقليم وأساسا بالعالم القروي سيما وان الحال التي عليها جل المجاري والعيون تسجل بها ندرة المياه وتقلصت كمياتها، بعد أن استنزفت الفرشات المائية لعوامل ولأسباب عدة منها ما هو”رباني”، حيث قلت التساقطات بنوعيها الأمطار والثلوج، كما شهدت المنطقة هذا الصيف موجة من الحرارة غير مألوفة ساهمت في نبض العيون..
ويضاف إلى ما سبق ذكره تزايد عمليات حفر الآبار بترخيص وبدونه وتساهل بعض الجهات بغض الطرف مما ساهم بشكل كبير في امتصاص المياه الجوفية وفراغ الفرشات المائية، أضف إلى ذلك عدم استغلال مياه الأمطار خلال فصل الشتاء وقلة السدود التلية لتجميع مياه التساقطات والفائض من السقي..
وزاد من حدة الوضع بحسب ما تلوكه الألسن محليا وجود عشرات الآبار بالمراكز الحضرية بالإقليم تم حفرها داخل مركبات وفنادق وإقامات بدون سند قانوني أو ترخيص مسبق إضافة إلى حفر الآبار بالجماعات القروية بدون موافقة الجهات المختصة وحفر أكثر من بئر في موقع واحد.
وطبعا يضاف ادى إلى ما سلف ذكره تزايد عدد المتعاطين للفلاحة وغراسة الأشجار المثمرة والخضروات كالبصل والبطاطس وغيرها وتوسيع وإعداد المساحات الصالحة للفلاحة في غياب سياسة مائية تنهجها كل الجهات المعنية بهذا المجال من بناء سدود تلية وخزانات للمياه ومواكبة وتتبع المستفيدين من الدعم المقدم للبعض في إطار مخطط المغرب الأخضر والذين استفادوا من إعانات مالية بهدف تشييد أحواض لتخزين المياه لكن تخلوا عن هذه المشاريع وتركوها جانبا وراحوا يستغلون مياه السواقي مما كان له أثارا سلبية مع التضييق على غير المستفيدين…
الخطر يداهم المنطقة بعد أن جفت اغلب العيون، وقل صبيب بعضها وراح شبح الجفاف وندرة المياه يهدد الفلاحة بمزروعاتها والساكنة والماشية… ويعم الخوف الكثيرين من أن يأتي يوم لا وجود خلاله ما يروي به العطش للبشر والبهائم والأرض… والاستخدامات المعيشية..
وهنا نقف على وضعية سبق وان تكرق إليها بعض الخبراء ومعهم بعض المهتمين بالمجال البيئي على مستوى هذا الاقليم، إذ كان أن تمت إشارة أولئك بانه مثلا لري هكتار واحد من حقول التفاح 800 شجرة على الأقل، فهو بحاجة إلى 25.600 لتر يوميا. أما الضيعات العصرية فيمكن أن تضم ما يناهز 2000 شجرة في الهكتار الواحد، بحيث تمتص ما يصل إلى 64.000 لترا في اليوم.. ومن هنا ينطلق استنزاف المائية الجوفية.
كما انه من أصل مساحة 50.590 هكتارا على المستوى الاقليمي، نجد أن الآبار المسجلة رسميا بالجهة، والتي يبلغ عددها 3 آلاف بئر، لا تكفي لتلبية الاحتياجات المائية، علما أن وكالة الحوض المائي لسبو علقت منح تراخيص الحفر منذ سنة 2009. وبالتالي، فإن الآبار غير القانونية آخذة في الارتفاع (خاصة بمناطق تيگرئگرة وضاية عوا)، دون أن يعرف أحد عددها الحقيقي. وإذا كانت أصابع اتهام المدافعين عن البيئة تشير إلى الفلاحة المكثفة المتعطشة للمياه، فإن البعض يعتبرها السبب الرئيسي وراء جفاف.
ولكي يتحقق الحفاظ على المياه بمجاري وعيون وضايات وبحيرات وشلالات إقليم إفران، فإن الامر يستدعي الاستعانة بالسدود، حتى يتمكن سكان هذه المنطقة من الاستفادة من هذه المادة الحيوية كما ينبغي.